سورة النساء تفسير السعدي الآية 119
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَءَامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلْأَنْعَٰمِ وَلَءَامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيًّۭا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًۭا مُّبِينًۭا ﴿١١٩﴾

سورة النساء تفسير السعدي

" وَلَأُضِلَّنَّهُمْ " أي: عن الصراط المستقيم, ضلالا في العلم, وضلالا في العمل.

" وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ " أي: مع الإضلال, لأمنينهم أن ينالوا, ما ناله المهتدون.

وهذا هو الغرور بعينه.

فلم يقتصر على مجرد إضلالهم حتى زين لهم, ما هم فيه من الضلال.

وهذا زيادة شر إلى شرهم, حيث عملوا أعمال أهل النار, الموجبة للعقوبة, وحسبوا أنها موجبة للجنة.

واعتبر ذلك باليهود والنصارى ونحوهم, فإنهم كما حكى الله عنهم.

" وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ " " كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ " , " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " الآيات: وقال تعالى عن المنافقين أنهم يقولون يوم القيامة للمؤمنين: " أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ " .

وقوله " وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ " أي: بتقطيع آذانها, وذلك كالبحيرة, والسائبة والوصيلة, والحام, فنبه ببعض ذلك على جميعه.

وهذا نوع من الإضلال, يقتضي تحريم ما أحل الله, أو تحليل ما حرم الله.

ويلتحق بذلك, من الاعتقادات الفاسدة, والأحكام الجائرة, ما هو من أكبر الإضلال.

" وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ " وهذا يتناول الخلقة الظاهرة, بالوشم, والوشر, والنمص, والتفليج للحسن, ونحو ذلك, مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة الرحمن.

وذلك يتضمن التسخط من خلقته, والقدح في حكمته, واعتقاد أن ما يصنعونه بأيديهم, أحسن من خلقة الرحمن, وعدم الرضا بتقديره وتدبيره.

ويتناول أيضا تغيير الخلقة الباطنة.

فإن الله تعالى خلق عباده, حنفاء مفطورين, على قبول الحق, وإيثاره فجاءتهم الشياطين, فاجتالتهم عن هذا الخلق الجميل, وزينت لهم الشر والشرك, والكفر, والفسوق, والعصيان.

فإن كل مولود يولد على الفطرة, ولكن أبواه, يهوِّدانه, أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه, ونحو ذلك, مما يغيرون به, ما فطر الله عليه العباد, من توحيده, وحبه ومعرفته.

فافترستهم الشياطين في هذا الموضع, افتراس السبع والذئاب, للغنم المنفردة.

ولولا لطف الله وكرمه بعباده المخلصين, لجرى عليهم, ما جرى على هؤلاء المفتونين, فخسروا الدنيا والآخرة, ورجعوا بالخيبة والصفقة الخاسرة وهذا الذي جرى عليهم, من توليهم عن ربهم وفاطرهم, وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر, من كل وجه.

ولهذا قال " وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا " .

وأي خسار أبين وأعظم, ممن خسر دينه ودنياه, وأوبقته معاصيه وخطاياه؟!! فحصل له الشقاء الأبدي, وفاته النعيم السرمدي.

كما أن من تولى مولاه, وآثر رضاه, ربح كل الربح, وأفلح كل الفلاح, وفاز بسعادة الدارين, وأصبح قرير العين.

اللهم, فلا مانع لما أعطيت, ولا معطي لما منعت.

اللهم تولنا فيمن توليت, وعافنا فيمن عافيت.